07‏/11‏/2009

أجرة دقهلية


كنت ولا زلت "ميحاً" في القيادة.. لا أدري إن تعلمتها سأصبح وقتها قادرة على شراء تُكتُك للتمرين أم أنني سأضيف رخصة القيادة -من باب الوجاهة يعني- على سيرتي الذاتية لعل وعسى حد يعوزني ف مشوار أو مركز لغات يكون طالب سواقين ولا حاجه.. المهم لا أنكر أن "حطتي" في تاكسي -على حد تعبير أمي -ولحد ما تفرج قد جلبت لي الكثير من المتعة والفرجة والحكمة أيضاً.. وكلها أشياء سأفتقدها بلا شك إن أصبحت لي سيارتي الخاصة.. ففي كل مرة كنت أستقل سيارة أجرة دقهلية تحديداً كان لابد وأن أتركها وقد أضفت حدوتة لمخزون الحواديت:



# كنا في الصباح الباكر.. ولأنني راحت عليا نومة كان لابد من تاكسي بدلاً من الهرولة بلا فطور أو حتى كوباية شاي تجعلني قادرة على تحديد الإتجاهات.. ركبت في الخلف كعادة الآنسات والسيدات ولكن سرعان ماركبت سيدة ليس بجواري ولكن بجوار السائق.. وبعد دقائق فوجئت بها تميل على السائق قائلة بصوت متحشرج "صباحك فل".. نعم أدري أنها اصطباحة السائقين المصريين ولكن لم أتخيل مطلقاً أنها قد تأتي من سيدة لسائق تاكسي وقد مدت يدها بسيجارة ليشاركها التدخين!! كل هذا وقد مد كل منهما يده من شباك ليخرج الدخان خارج السيارة ويهب الهواء حاملاً بعض الرماد نحوي..حمدت ربي أننا اقتربنا من مقصدي فسلمت السائق أجرته دون "اتفضل" التي دوماً أتبعها ب"سلامو عليكو" و نزلت وقد تبددت سحابة المفاهيم والتقاليد القديمة التي أحتفظ بها فوق رأسي كلما ذهبت هنا وهناك والتي يطلقون عليها أصول اللياقة أوالإتيكيت



#المنصورة بلد لطيفة وبنت حلال وغالباً ماتسمح لك بالتمشية في شوارعها.. ولكن مؤخراً وقد عانت تلك الشوارع من أعمال الحفر أكثر من مرة لا أدري لماذا -فتارة للغاز وتارة للمياه وتارة لتعديل إتجاهات السير وتارة لمجرد الرخامة- فكان لابد من تاكسي يحملني بدلاً من حذائي الأرضي الرقيق.. ركبت واحداً ولم يتحدث السائق وقد فضل الإستماع لإذاعة القرآن الكريم.. كنا قد اقتربنا من حلواني "راندوبلو" وإذا بعجوز ريفي وقد أوقف التاكسي متسائلاً "راندوبلو؟".. فرد عليه السائق مبتسماً: "مانت واقف قدامه أهو يا حاج!".. وعندها ضحك الرجل ضحكة غلبانة للغاية ولسان حاله يقول والله يابني أنا دماغي شتت مني!.. ولكنه عاد يسأل "طب الدراسات؟" فاعتذر السائق لأنها لم تكن وجهتنا ..وتعجب بعدها "طب مانا كنت خدته ونزلته تاني!!".. وعندها ابتسمت بمرارة وفضلت الصمت والإنصات لكلمات الله



#أكره الحوارات المبتورة.. ولكن اضطر أن احتفظ بها هكذا كما سمعتها.. فحينما وصلت إلى وجهتي نزلت ولم أسمع البقية للأسف:

شاب ملتحي عابس: ايه اللي أنت مشغله ده بس؟

السائق (مستمعاً لإحدى أغنيات جواهر الصاخبة): دي واحده اسمها جواهر

الشاب: ماتعرفش إن الأغاني حرام!

السائق: مين اللي حرمها؟! وبعدين هو أنا جايبها ترقص ع الكبوت؟




#ركبت أنا وأمي بعد وقوف طويل وانتظار ممل لأحدهم حتى يتعطف ويوصلنا .. وعندما جلسنا حمدت ربي في سري بينما كان دعاء أمي بصوت مسموع "يارب استرها معانا".. وعندها ضحك السائق متسائلاً"يسترها معاكو انتو بس؟"..فردت أمي "ليه بس؟ ويسترها معاك أنت كمان وينورلك طريقك"




#جلست أنا وأمي على الكنبة الخلفية بينما أخذ يروي السائق الحدوتة وقد اتخذ المشهد سينمائية عجيبة أحسست معها أننا الأبطال.. وقد كان دور السائق ثانوياً ولكنه للعبرة والعظة:

من حوالي أسبوعين كده ركب معايا راجل كبير وكان نازل شارع بورسعيد وبعدين بعد ماوصلنا نزل ورزع الباب حتة دين رزعه فجيت أقول :طب الباب ذنبه ايه بس؟

رد:امشي ياله!

أنا ماعجبتنيش الكلمة كشمتله ولقيتني لسه باحاول أمسك أعصابي وباقوله:تصدق إنك راجل مش محترم

فلقيته بيسب بالأم وساعتها ماحستش بنفسي واللي حاشني عنه اللي كان راكب جنبي.. وف ثواني ومسافة مالراجل بيلف عشان يجيلي يمسك ف خناقي وقع.. ونزلنا اكتشفنا انه مات! الراجل طب ساكت! تصوري ياماما! والله الدنيا دي ماتسوى! واللي يعملها حساب يبقى غلطان




#عندما يشتد حر الصيف أدرك أن السيارة المكيفة نعمة بجد.. فبعد انتظارحار ومترب وفرداني وبعد سبعة عشر "مصنع البلاستيك ..اللي ف امتداد جيهان!" ركبت.. لاحظ السائق -وقد كان عجوزاً طيباً كمن نراهم في الأحلام فنطمئن بوجودهم وكلامهم ودعواتهم- إرهاقي وزهقي.. وبعد دقائق التقطت فيها أنفاسي ومسحت وجهي انخرطنا في حديث جميل:


-مالِك بس؟

-أبداً الحر.. والشيله كانت تقيله وواقفه بقالي مدة

-معلش انتو لسه شباب! لازم تستحملوا!

-معاك حق

-انتي متجوزة؟

-لأ لسه

-أومال لما تتجوزي والعيال يبقوا حواليكي كده هتعملي ايه؟

-مش عارفه والله.. ربنا بيهوِّن

-ولا يهمك! أنا مفيش حد بيركب معايا إلا وربنا بيكرمه.. وشي حلو يعني

-ربنا يديك الصحة.. يارب.. أيوه بس على جنب هنا.. اتفضل! سلامو عليكو!